بقلم: ناصر علي العولقي

( ناشط إعلامي )

 

تمر البلاد بأزمة إنسانية وحقوقية غير مسبوقة، تجسدت في انقطاع رواتب الموظفين والعسكريين لأكثر من أربعة أشهر، مما حول الحياة اليومية للمواطنين إلى معاناة لا تطاق. لم تعد هذه الأزمة مجرد تأخير إداري عابر، بل تحولت إلى قضية وجودية تمس كيان الدولة ذاتها، وتنذر بانهيار العقد الاجتماعي الذي تقوم عليه علاقة المواطن بالدولة.

 

تشكل أزمة الرواتب تهديداً مزدوجاً ينذر بكارثة إنسانية وأمنية، حيث تدفع الأسر إلى هوة الفقر المدقع من ناحية، وتقوض الروح المعنوية للقوات المسلحة من ناحية أخرى. لقد تجاوزت الأزمة حدود تدهور الأوضاع المعيشية لتمس أسس سيادة الدولة وهيبتها، فالراتب ليس مجرد مبلغ مالي بل هو تجسيد للعلاقة التعاقدية بين المواطن والدولة.

 

تقع المسؤولية المباشرة عن هذه الأزمة على عاتق مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، حيث تشير كل المؤشرات إلى أن الحلول التقنية متاحة لكن الإرادة السياسية غائبة. إن استمرار تعنت كبار القيادات ورفضهم إعادة موارد الدولة إلى الخزينة العامة، والتمترس خلف أعذار واهية، يمثلان خيانة للواجب الوطني وتجاهلاً صارخاً لمعاناة الملايين.

 

إن استمرار سياسة التجاهل والتسويف لم يعد مقبولاً، وقد وصل الأمر إلى منعطف خطير يتطلب تحركاً عاجلاً وحاسماً. فالصمت على هذا الواقع المشين لم يعد خياراً، والمواطنون لم يعودوا قادرين على الانتظار. لقد أصبح الاحتجاج السلمي المنظم وسيلة مشروعة وضرورية للمطالبة بالحقوق المهضومة.

 

إننا أمام لحظة مصيرية تتطلب تحركاً عاجلاً لصرف كافة الرواتب المتأخرة فوراً، وإعلان خطة دفع مستدامة وشفافة بجدول زمني واضح، ومحاسبة كل من تسبب في تفاقم الأزمة. كما يتوجب العمل على إعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن من خلال الوفاء بالالتزامات الدستورية واحترام كرامة الإنسان.

 

الوقت ينفد بسرعة، والثمن يدفعه المواطنون والأمن القومي معاً. لقد حان الوقت لتحمل المسؤولية الكاملة والوقوف في وجه سياسات التجويع والإهانة. فالدولة الحقيقية هي التي تحترم مواطنيها وتفي بالتزاماتها تجاههم، وإلا فإنها تفقد شرعيتها ومبرر وجودها. هذه قد تكون الصرخة الأخيرة قبل أن يحترق الوطن كله، وتضيع آخر فرصة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.