د. أمين العلياني

 

في مشهدٍ يثير الدهشة، يعود الشيخ حميد الأحمر، القيادي في التجمع اليمني للإصلاح، إلى واجهة الأحداث بعد صمتٍ طال أمده؛ لكنه هذه المرة اختار العودة من بوابة اتهاماتٍ متهالكةٍ تفتقر إلى المصداقية، وتتناقض مع مواقفه السابقة التي طالما شابها التردد والهروب من المسؤولية، فبعد أن لاذ بالصمت حين كانت صنعاء تُسقط، والجمهورية تُنهب، ها هو اليوم يرفع صوته ليحمل وزير النقل الدكتور عبد السلام حميد الوزير المسؤول بكل اقتدار ومذكراته شاهدة على حرصه وكذلك مدير شركة الطيران اليمنية ويحملهم مسؤولية سيطرة مليشيات الحوثي على طائرات اليمنية، وكأنه يريد أن يخدع التاريخ والرأي العام بأنه حارسٌ للوطنية، في حين أن سجلّه السياسي يشهد بغير ذلك.

 

لقد نسي الشيخ الأحمر، أو تظاهر بالنسيان، أن المليشيات التي صادرت طائرات اليمنية هي نفسها التي صادرت الثورة والجمهورية، بل وسيطرت على حاضنته القبلية (حاشد) دون أن يحرك ساكنًا فلماذا يصحو اليوم، بعد سنوات من السكوت، ليطالب بإقالة وزير النقل ورئيس مجلس إدارة الشركة ويطالب بفتح ملف تحقيق، بينما كان الأجدر به أن يوجه اتهاماته إلى الجهات التي أمرت فعليًّا بتسليم تلك الطائرات؟ ألم يكن يعلم أن القرار النهائي لم يكن بيد الوزير، بل بيد رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الذي تلقى بدوره تعليماته من جهات خارجية كما صرح بذلك عبر قناة روسيا اليوم ومواقع أخرى وذكر ذلك لقد بلغنا عبر الوسطاء؟

 

لقد كشفت الوثائق أن الوزير عبد السلام حميد كان رافضًا العام الماضي نقل الحجاج من صنعاء عبر اليمنية، والشيخ حميد يتغابى عن الأوامر العليا التي أجبرت الوزير على التراجع، فكيف يُلام اليوم على أمرٍ خارجٍ عن إرادته؟ أما الطائرة الرابعة التي نجت من القصف الإسرائيلي، فقد بذل الوزير الناجح والبارز الذي أظهر حرصه ومسؤولية جهده لاستعادتها من الأردن، لكن الأوامر العليا مرة أخرى هي التي أعاقت أوامره، فلماذا يتجاهل الشيخ الأحمر هذه الحقائق، ويختار اتهام الأبرياء بدلًا من مواجهة الفاسدين من زبانيته؟

 

الأمر الأكثر إثارة للسخرية هو أن الشيخ الأحمر، الذي هرب من صنعاء وتخلى عن مسؤولياته، يطالب اليوم بخوض معركة استعادة اليمن! ولم يسأل نفسه هذا السؤال، لماذا لم يخض معارك الدفاع عن صنعاء حين كانت تُسقط؟ ولماذا لم يطالب بمحاسبة من سمح بسقوط مواقع عسكرية حيوية مثل فرضة نهم؟ ولماذا صمت عن فضيحة إيقاف معركة الحديدة، التي كانت فرصة تاريخية لسحق المليشيات؟

ولماذا لم يُطالب بمحاسبة وزير الخارجية الأسبق الذي لم يتحرك دوليًّا لمواجهة الدعم العُماني للحوثيين؟ ولماذا لم يطالب بمحاسبة وزير الاتصالات السابق، الذي تقاعس عن استعادة السيطرة على قطاع الاتصالات؟

 

بل الأدهى من ذلك، أين كان صوته حين انهارت خدمات الكهرباء في عدن، وحين تعرض أبناؤها للتعذيب؟ أليس من المفارقات أن يختار الشيخ الأحمر انتقاد المسؤولين الذين أثبتوا مسؤوليتهم بجدارة ومذكراتهم شاهدة على ذلك، بينما يتغاضى عن الفاسدين من زبانيته الذين تورطوا في إضعاف الدولة؟

أسئلةٌ كثيرة تظلُّ معلقةً في الهواء، تُذكّرنا بأن الوطنية الحقيقية لا تكون انتقائيةً، ولا تظهر فجأةً عندما تتعرض مصالحُ شخصيةٌ للخطر.

 

إن الوطنية الحقيقية لا تُقاس بالمناكفات والتصريحات الرنانة يا شيخ حميد، بل بالثبات في ساحات المواجهة حين تشتد العواصف، واليمن الذي تنشده اليوم لا يحتاج إلى من يصرخ متأخرًا، بل إلى من يقف في الصفوف الأمامية حين يكون الثمن باهظًا؛ فإذا كان الشيخ الأحمر جادًا في دعوته لاستعادة اليمن حسب زعمه، فليبدأ أولًا بمحاسبة نفسه، وليُجِبْ عن سؤالٍ واحد: أين كان صوتك حين كان الوطن ينزف؟