انتهت ١٥ عاما في الإعلام ب 16 رصاصة اخترقت جسده وأردته قتيلا على الفور، شهود من المكان أكدوا أن شخصا كان يرتدي نقابا متنكرا بزي إمراة مر أمام منزله وأطلق تلك الرصاصات الغادرات لتنتهي مسيرة الصحفي نبيل القعيطي بطريقة جبانة ورخيصة أمام أطفاله وزوجته في عدن.
وصلت الى منزل نبيل لأطلع على الدعم المقدم للصحفيين في اليمن ومن يتابع أوضاعهم ويتحمل هذه التكلفة الباهظة لممارسة مهنة الصحافة، وهل هناك من يتابع أحوال أسرهم فالصحفييون يعيشون في خطر دائم على مدار اليوم ولا يشعرون بالأمان على الاطلاق، قابلت والدته التي لم تخلع ثوب الحداد منذ عامين مؤكدة أنها فقدت معيل أسرتها الوحيد وتريد القصاص العادل من قاتل لم يعرفوا هويته بعد، و أثناء توجهي للداخل كانت ابتسامة تعلب مع اخوتها في ذات المكان الذي فقد فيه والدها حياته، طفلة نبيل التي لم يتمكن من رؤيتها حيث كانت زوجته حاملا بها في شهرها السادس تعيش اليوم مع 3 من اخوتها ولا يعلمون من سيكون معيلا لهم بعد أن فقدوا والدهم .
تحول العمل الصحفي في اليمن الى مهنة الموت والطريقة التي قتل بها نبيل القعيطي لا تقل بشاعة عن طرق عديدة تستخدمها التنظيمات الارهابية لتصفية الصحفيين العاملين في المحافظات المحررة من مليشيا الحوثي وتنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين كاستخدام السيارات المفخخة أو القتل بالرصاص الحي أو خطف العشرات بمصير مجهول حتى اللحظة وأسرهم التي فقدتهم تعيش ألما مضاعفا بفقدهم المعيل والسند وعدم معرفتهم بطبيعة المستقبل الذي ينتظرهم في حال توقف الدعم المقدم لهم في الفترة الحالية
انتشار الإرهاب بعد الانقلاب الحوثي
“لم أكن راضية عن عمله الصحفي خوفا على حياته ” رد أم نبيل كان قاسيا بعد سؤالي لها عن شعورها اتجاه طبيعة عمل ولدها، وأكدت لي قلقها المستمر طوال ١٥ عام من عمله الإعلامي تحديدا بعد أن سمعت التهديدات بقتله ونفيه لتلك التهديدات كلما سألته عن طبيعتها ومصدرها ، سألتها إن كانت تستطيع معرفة الجناة فكان ردها ” الله وحده يعرف من قتل نبيل” ، اجابة تكررت من أسرر صحفيين فقدوا حياتهم ومنهم رشا الحرازي وطارق مصطفى وأحمد أبوصالح وخالد اليافعي وأحمد حديج وغيرهم، لكن التحقيقات الأمنية وصلت الى ضلوع التنظيمات الارهابية في هذا النوع من عمليات الاغتيال باستخدام الرصاص الحي و السيارات المفخخة ومنها استهداف موكب محافظ عدن احمد لملس ومقتل الصحفيين الذي كانوا برفقته في أكتوبر 2021 حيث تم وضع السيارة المفخخة بالقرب من مدرسة وروضة البشائر غير حكومية ما سبب صدمات مضاعفة من الخطر الذي تشكله التنظيمات المتطرفة في استهدافها الصحفيين والمسؤولين في أماكن مكتظة بالمدنيين والأطفال.
عشرات الصحفيين قتلوا في اليمن منذ العام 2014، وفقاً للجنة حماية الصحفيين التي أكدت أن مسألة استهدافهم سوف تستمر فلا يأمن الصحفيون على حياتهم ويتجنبون كثيرا من التغطيات بل يتحاشون التحقيقات الصحفية لكشف الحقائق خوفا من فقدان حياتهم حيث استخدمت التنطيمات الإرهابية أبشع الطرق لإيقاف صوتهم لكن الحقيقة رغم ذلك لم تكن غائبة وحضرت في الشوارع والمباني وعقول الناس الذين لم يتمكنوا من تجاوز حجم الألم الذي سببه انتشار الإرهاب بعد الانقلاب الحوثي.
توقع الاغتيال يوميا
سرد رئيس قطاع الاذاعة والتلفزيون مختار اليافعي محاولات اغتياله الثلاث، الأولى في المخا اثناء تغطية ميدانية وثانية حاول خلالها عناصر من تنظيم القاعدة إغتياله من منزل وزير الداخلية وثالثة حين قامت عناصر من تنظيم القاعدة بتفجير مقر صحيفة عدن المستقلة بصاريج الوقود حيث تم تدمير مبنى الصحيفة بالكامل، ورغم المحاولات المتكررة لاغتياله أكد أنهم مستمرون في العمل الميداني ووصف ما يجري بالتحدي أمام التنظيمات الإرهابية وأن انسحابهم كصحفيين من العمل يعتبر إنتصارا للارهاب، وشدد على أن جميع الصحفيين معرضون للإغتيال يوميا وفي أي لحظة وأكد أن وزارة الإعلام لم تقم بأي تغطية إعلامية في المناطق المحررة ولم توفر أي تأمين لهم معتبرا أن الصحفيين هم الحلقة الأضعف في الحرب على الارهاب وهو ما أكده رئيس هيئة الاعلام الجنوبي علي الكثيري قائلا: نحن في حرب مزدوجة من التنظيمات الإرهابية وميليشيات الحوثي، مطالبا بضرورة تنفيذ إتفاق الرياض الذي سيوحد جهود الجميع لمواجهة الإرهاب وسيوفر التأمين المطلوب للصحفيين في ظل عدم توفر كيان نقابي فاعل يعمل من داخل اليمن.
من يتابع أوضاع الصحفيين ؟
في ظل غياب نقابة الصحفيين وتوقف عملها بشكل تام منذ الانقلاب الحوثي في 2015 تكفل المجلس الإنتقالي الجنوبي بأسرة نبيل وأسر الصحفيين الذين فقدوا حياتهم في المحافظات المحررة لكنهم برغم ذلك متشككون من انقطاع الدعم عنهم في ظل التغيرات السياسية التي يشهدهم اليمن بشكل مستمر وهذا ما دفع كثير منهم للمطالبة بانشاء كيان نقابي واضح يقدم الدعم للصحفيين وأسرهم ويحفظ للصحفيين حقهم في الحصول على تعويض عن الضرر الذي يشكله العمل في الاعلام ويؤمن لهم الحماية الممكنة.
رئيس هيئة الاعلام الجنوبي علي الكثيري أكد توفيرهم جزءا من الحماية الممكنة للعاملين في القطاع الاعلامي إلا أنهم بحاجة لمزيد من الحماية للكوادر الإعلامية والمنشأت المدمرة التي قامت التنظيمات الارهابية باستهدافها مشددا على استهداف البنية التحتية الاعلامية في المحافظات الجنوبية منذ عام 1994 على رأسها تلفزيون عدن ومحاولتهم إستعادت عدد من المباني الإعلامية المدمرة كمبنى وكالة أنباء عدن وترميه ونيتهم إطلاق قناة عدن الفضائية وإذاعة عدن التي تحولت الى خرابة على حد وصفه وهي مطالبات أكد رئيس قطاع الاذاعة والتلفزيون مختار اليافعي ضرورتها بعد أن ارتفعت المخاطر على الصحفيين بازدياد التنظيمات الإرهابية منذ 2015 حتى اليوم وطالب بالكشف عن هوية قتلة الصحفيين.
المؤسسات الإعلامية لا تزال بحاجة إلى بناء وترميم والمنظومة الإعلامية التي اهتزت بعد الانقلاب الحوثي في البلاد تحاول اليوم النهوض مجددا في الجنوب ضمن الامكانيات المتاحة منظومة يوكدون أنها دمرت منذ عام ١٩٩٤ بطريقة متعمدة فهل يمكن لمجلس القيادة الرئاسي تحسين واقع الإعلاميين وفتح التحقيقات حول من يقف خلف تصفيتهم وهل سيعرف المتورطون في ملف اغتيال الصحفيين وتقديمهم للعدالة فأسرهم لا تزال بانتظار القصاص لهم وفقدانهم لم يكن خسارة للمهنة فقط فجميعهم تركوا خلفهم زوجات وأطفال بلا معيل وذكريات لا يمكن تجاوزها رسخت من خلالها التنظيمات الإرهابية حالة من الهلع وانعدام الثقة في ان الإعلام يمكنه صناعة واقع أفضل كما هي رسالته.
تعليقات الزوار ( 0 )