د. أمين العلياني

 

في مشهد يعكس تعقيدات الحرب في اليمن، يواجه المجلس الانتقالي الجنوبي حربًا مركبة متعددة الجبهات، ليست عسكرية فحسب، بل تمتد إلى معارك سياسية واقتصادية وخدمية وإعلامية، بل وحرب المخدرات والإرهاب، في إطار ما يُوصف بأنه حرب وجود تهدف إلى تمزيق النسيج الاجتماعي، وإجهاض الحاضنة الشعبية للمجلس الانتقالي الجنوبي.

 

ومن هنا، فإن المجلس الانتقالي الجنوبي يواجه اليوم حربًا سياسية ضارية، حيث تجري – وفقًا لتحليلات سياسية – محاولة إقصاء متعمد تهدف إلى تغييب قضية شعب الجنوب من مفاوضات السلام الجوهرية. وهذه القضية العادلة التي يمثلها المجلس الانتقالي الجنوبي ويسعى من خلالها إلى استعادة دولته المغتصبة بسيادة كاملة، كهدف استراتيجي للشعب في الخارطة الجنوبية بحدود ما قبل عام 1990م، مؤكدًا رفض أي بديل عن هذا الهدف. كما أن التوتر في العلاقة داخل المجلس الرئاسي يشكل تحديًا سياسيًا إضافيًا، حيث يجمع الأطراف المناصرة للجنوب والمتحالفة ضده تحت سقف هذا المجلس الرئاسي الهش منذ أبريل 2022م.

 

لتنتقل المعركة من الأطر السياسية إلى معركة الانهيار الاقتصادي، بوصفه سلاحًا آخر تهدف من خلاله قوى الشمال اليمني إلى تجويع الحاضنة الشعبية، وأداة ضغط خطيرة تستهدف شرعية المجلس الانتقالي أمام شعبه. فقد فشلت الحكومة في توفير الخدمات الأساسية من كهرباء وماء ورواتب في المناطق الخاضعة لنفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي. كما تشهد هذه المناطق انهيارًا كارثيًا للعملة المحلية، وسيطرة مافيات الفساد والمضاربين بالعملة والاقتصاد الطفيلي الذي ولدته الحرب، مما خلق معاناة جسيمة للمواطن الجنوبي.

 

ومن جهة أخرى، يتعرض المجلس الانتقالي الجنوبي لحملات إعلامية ممنهجة، حيث يتم تحميله مسؤولية تردي الخدمات رغم أن هذه الملفات تخضع رسميًا لوزارات في الحكومة المركزية. وتركز هذه الحملات على انتقاد أداء المجلس بهدف تقويض شعبيته قبل أي مفاوضات سياسية قادمة، بينما تتجاهل الإنجازات التي حققها المجلس الانتقالي الجنوبي في بناء القوات العسكرية والأمنية الجنوبية، وتمثيل الجنوب دوليًا عبر بوابة العمل الدبلوماسي، حتى وصلت قضية شعب الجنوب إلى كل المحافل الدولية، بوصفها قضية شعب لا يمكن تجاوزها تحت أي ظرف أو مبادرة أو حلول ترعاها الدول الرباعية والأمم المتحدة.

 

وتشير تقارير إلى استخدام القوى اليمنية المختلفة للمخدرات والإرهاب كأداة حرب أخرى ضد شعب الجنوب وقضيته العادلة، حيث يتم إغراق المجتمع والحواضن الشعبية بالمخدرات من جهة، وبالإرهاب من جهة أخرى، في حرب غير مباشرة تستهدف تفكيك النسيج الاجتماعي وإجهاض الحاضنة الشعبية للمجلس الانتقالي الجنوبي. كما أن تنظيم القاعدة لا يزال يشكل تهديدًا أمنيًا، وتتخادم به المليشيات الحوثية مع الإخوان المسلمين المنضويين تحت سقف الشرعية، حيث يوصف الإرهاب بأنه “الأداة الأيديولوجية والذراع المسلح للحوثي والإخوان المسلمين في الجنوب”، مما يضيف بُعدًا أمنيًا معقدًا للمشهد.

 

وعلى الرغم من هذه الحرب المركبة التي تديرها قوى الشمال اليمني ضد الجنوب قيادةً وشعبًا، إلا أن المجلس الانتقالي الجنوبي استطاع أن يحقق إنجازات مهمة، منها بناء قوات عسكرية وأمنية جنوبية توصف بأنها “الأقوى في البلاد”، وفتح مكاتب تمثيل دولية، بما في ذلك مكتب في واشنطن العاصمة. كما نجح في دخول مفاوضات سياسية أفضت إلى اتفاق الرياض لتقاسم السلطة، وأجرى حوارًا دبلوماسيًا مع الدول الكبرى، واستطاع توصيل قضية شعب الجنوب إلى المحافل الدولية، وأصبحت رقمًا صعبًا لا يمكن تجاوزه في وجه القوى السياسية اليمنية التي تحاول أن تجعل قضية شعب الجنوب ضمن حلول القضية اليمنية واستعادة صنعاء أولاً.

 

الخلاصة، إن الحرب التي يواجهها المجلس الانتقالي الجنوبي ليست مجرد صراع على السلطة، بل هي معركة وجودية تهدف إلى تقويض المشروع الجنوبي بكل السبل الممكنة. فالحرب متعددة الأوجه – السياسية والاقتصادية والإعلامية والأمنية – تشكل استراتيجية مركبة تهدف إلى إضعاف الحاضنة الشعبية وتمزيق النسيج الاجتماعي للمجلس الانتقالي الجنوبي.

 

في هذا المشهد المعقد، يقف الجنوب عند مفترق طرق تاريخي، حيث سيتحدد مصيره بقدرة قيادته الحكيمة تحت رئاسة الرئيس عيدروس بن قاسم الزبيدي على مواجهة هذه التحديات الجسام، والحفاظ على تماسك نسيجه الاجتماعي، وبناء مؤسسات قادرة على تحقيق تطلعات شعب عانى عقودًا من التهميش والإقصاء. فالمعركة ليست معركة سلطة فحسب، بل هي معركة هوية ومستقبل، وسيحدد نجاحه أو فشله في هذه الحرب المركبة مصير الجنوب لأجيال قادمة.