عمر الحار .

 

ارخى  الحزن اليم ، واطبق بجلباب الليل  الكظيم ، على قرى وادي لماطر من اعمال مديرية الروضة بشبوة ، بوجعٍ لا يشبه سواه .

إنه وداعُ اخي وطبيب قرى الوادي السعيد ، سعيد علي بارحمة ، رحمة الله عليه ، لكنه يختلف عن كل  وداع . وداعُ الطبيب الإنسان ، ابن الأرض ، ورفيق الألم والدواء ، من طاف بارجاء وادي “لماطر” يزرع في الأجساد الشفاء ، وفي القلوب الطمأنينة.

 

ها هي الليلة تبكيه قلوبنا وقرى الواد باجمعها ، بعد أن احتضنته مدينة المكلا لبضعة ايام في مشافيها ، غريبًا عن تراب مسقطه ، عائدًا من رحلةِ أملٍ أنهكها التعب في مصر الكنانة ، لم يُكتب لها النجاح .

 

الليلة ليلة وداع سعيد ، لكنها أيضًا ليلة وفاء ، نُسجل فيها حروف الرحيل ، وننقش بها بعضًا من الدَّين الذي تركه في أعناق كل من داواهم ، وكل من أحبه ، وكل من شرب من نُبله جرعة حياة.

 

هاهو سعيد الذي ماعرفنا له يومًا غيابًا عن الناس ، يغيب فجأةً … لكن غيابه هذه المرة ، لا رجعة فيه.

عرفه الناس بـ”طبيب الأسرة” في وادي لماطر ، ولم يكن اللقب مجازا، بل وصفًا صادقًا لرجلٍ وهب حياته للطب ، ولأهله ، و لقرى الوادي الطويل .

 

و كان سعيد من أوائل خريجيها في ميدان الطب ، فحمل شرف السبق ، ومسؤولية الريادة ، ومضى في دربٍ لم يتوقف فيه يومًا عن العطاء.

 

لأكثر من أربعين عاما ، ظلَّ سعيد با رحمة شمعةً لا تنطفئ في بيوت الناس…

 

ما من بيتٍ إلا ودخله طبيبًا ، وما من طفلٍ أو شيخٍ أو امرأة إلا وترك في جسده أثر وخزة ، لم تكن إلا حقنةَ شفاء ، أو لمسةَ طمأنينة.

 

ولا يتسع العمر ، ولا اللغة ، لحصر الجميل الذي تركه هذا الرجل بين أهله.

سعيد لم يكن مجرد طبيب ، بل كان أخًا لكل مريض ، وسندًا لكل موجوع ، ويدًا دافئة امتدت في صمت ، ثم انسحبت في هدوء ، كما يليق بالنبلاء.