لم تتحلَ القيادات الإخوانية، وهي تعلن عدم المشاركة في مشاورات الرياض، بشجاعة الاعتراف بأنها عازفة عن ذلك نظرًا لموقف سياسي تنتهجه، لكنّها آثرت أن يكون المبرر مثيرًا لما يمكن اعتبارها حالة من الكوميديا السوداء في تاريخ الحرب الحالك.

 

الحديث عن محافظ مأرب المدعو سلطان العرادة، الذي تردّدت أنباء قوية عن أنه يرفض المشاركة في مشاورات الرياض، ويبدو أنّ الرجل الذي عرف عنه التآمر والتخادم مع المليشيات الحوثية، عمل على مخادعة التحالف العربي ومجلس التعاون الخليجي في معرض تفسيره للقرار وهو الانشغال بمواجهة المليشيات المدعومة من إيران في مأرب.

 

عدد من وسائل الإعلام، بعضها يتبع حزب الإصلاح بشكل مباشر أو إخوانية التمويل، تحدثت عن أنّ عرادة بعث بخطاب إلى أمين عام مجلس التعاون الخليجي الدكتور نائف الحجرف عبر فيها عن اعتذاره عن عدم المشاركة في المشاورات.

 

لو أن البيان توقف عند هذا الحد لكان الأمر مفهوهًا باعتباره يأتي في سياق موقف من قيادي إخواني لطالما عرف أنه دائم التنسيق مع الحوثيين، لكن الرجل أصرّ على أن تحاصره الشكوك عندما برر خطوته بأنّه منشغل بمواجهة الحوثيين في مأرب.

 

كل الشواهد على الأرض تشير إلى أنّ عرادة يكذب كما يتنفس، فمن جانب لا تولي ما تعرف بالشرعية أي اهتمام بمحاربة الحوثيين، بل إنها تعمل على تسليم المواقع والجبهات بل والأسلحة كذلك إلى المليشيات الحوثية الإرهابية، وقد نالت محافظة مأرب نصيبًا وافرًا من الخيانات الإخوانية التي تجلت بكل وضوح في تسليم الجبهات للحوثيين.

 

والجبهات الخاضعة لسيطرة المليشيات الإخوانية هي في الأساس تشهد موتًا سريريًّا إذ لا تدور أي مواجهات على الأرض، بل يظل التنسيق والتخادم بين الإخوان والحوثيين سيدًا للموقف هناك، وهو ما يُعرِّي كذبًا مفضوحًا أظهر عرادة – عاريًّا سياسيًّا – أمام الجميع.

 

كما أنّ المليشيات الحوثية نفسها كانت قد سرّبت معلومات بأن عملياتها العسكرية متوقفة حاليًّا، وهي رواية إن صحّت فهي ترد على المليشيات الإخوانية التي تزعم انشغالها بالعمليات العسكرية ضد المليشيات وذلك على غير الحقيقة.

 

دلالة ما أقدم عليه عرادة أن الرجل على الأرجح حاول تفادي الحرج من أن يظهر معرقلًا ورافضًا لمشاورات الرياض، وهو ما سيوقع ما تعرف بالشرعية في حرج شديد أمام التحالف وأمام مجلس التعاون الخليجي، كما أن الأمر سيعطي دليلًا دامغًا بأنها متشرذمة وتضم مجموعة من العصابات التي يتحرك فيها كلٌ نحو مصالحه.

وفي الوقت نفسه، حاول عرادة أن يرضي المليشيات الحوثية بعزوفه عن حضور مشاورات الرياض، ومن ثم يحافظ على علاقات التقارب والتنسيق واسعة النطاق التي تجمع بينهما لا سيّما في جبهة مثل مأرب التي تحمل أهمية لوجستية كبيرة، لعلها السبب الرئيسي في حجم التكالب الحوثي – الإخواني عليها.