شبوة الآن

نايف المدوري

 

حقيقة ما ارتكبه المراهقون السياسيون الجنوبيون في ١٩٦٧م خطأ تاريخي قاتل ليس له من تكفير سوى استعادة الدولة ، والأرض ، والهوية الجنوبية ، والتاريخ .

 

يعلم جلنا بأن أعمار الوفد التفاوضي للجبهة القومية مع السلطات البريطانية عشية الاستقلال كانت تتراوح ما بين ١٨ إلى ٢٠ عاما باستثناء قحطان الشعبي الذي تجاوز عمره آنذاك ٤٠ عاما ، فكانوا عديمي الرؤية ، يفتقرون للخلفية التاريخية والثقافية والسياسية ، غير مدركين للمخاطر والمؤامرات التي تحاك ضد وطنهم وأمتهم ، مشحونين بعاطفة قومية جياشة لا تسمن ولا تغني من جوع فقط يراد منها الوصول الى الجوهرة التي بين أيديهم ونهبها ، ولذلك بعد الاستقلال مباشرة شعر قحطان بالخطأ القاتل الذي ارتكبه هو ورفقاؤه بحق الأرض والإنسان الجنوبي عندما سمحوا للنزلاء بتغيير الهوية ، فأراد أن يعيد تصحيح مسار ذلك الاعوجاج باصدار قانون الجنسية الجنوبية في عام ١٩٦٨م ، ولكن الأمر كان قد فات ، كون القوى السياسية اليمنية قد تغلغلت عميقا في مفاصل الدولة الجنوبية ، فدفع الرجل حياته ثمنا لذلك التصحيح .

 

أن التخلي عن الهوية والارتماء في أحضان هوية أخرى لها تبعيات كبيرة حيث ضحى شعبنا بأكثر من ١٢٠،٠٠٠ ألف شهيد في صراع اليمننة ابتدأ بحرب ٧٦ ، ٧٨ ، ٧٩ ، وحرب ٨٦ الذي كان نظام صنعاء هو السبب الأول فيها ، بعدما أتفق قادة الحزب في بلغاريا على حل لمشكلة اللجنة المركزية ، والمكتب السياسي ، ولكن عند العودة غير عدد من قادة الجنوب مسار الطائرة من بلغاريا إلى صنعاء ، فالتقوا صالح فاغراهم على تفجير الوضع عسكريا ، وهو ما حدث بعد أسبوع من الزيارة تفجر الوضع في العاصمة عدن ، مع عدم تجاهلنا لتيار شيطنة الجيش الجنوبي خدمة لنظام صنعاء ، كما هو حاصل اليوم مع القوات المسلحة الجنوبية والمجلس الانتقالي ، وكأن التاريخ يعيد نفسه ، وحرب ٩٤ ، ٢٠١٥م ، وإلى هذه اللحظة مازالت الحرب مستمرة ، ولذلك يجب علينا أن نضع حدا لهذه المهزلة التاريخية .

 

لقد كانت هناك عقول نيرة من أبناء شعبنا ترفض هذه المهزلة منذ بدايتها الأولى حيث خرجت تظاهرتان في مصر الكنانة عندما حطت فيها أقدام الوفد التفاوضي الجنوبي في طريقهم إلى جنيف الأولى لطلاب الجنوب العربي المبتعثين للدراسة في مصر تطالب أعضاء الوفد بعدم التفريط بالهوية التاريخية الجنوبية ، بينما الثانية لأبناء اليمن الشقيق يقودهم السفير اليمني تطالب أعضاء الوفد بضم الجنوب العربي إلى اليمن وهو ما تحقق بالفعل .

 

وفي إحدى جلسات التفاوض بجنيف خاطب كبير المفاوضيين البريطانيين أعضاء الوفد الجنوبي عندما وجد فيهم ممن يصر على تغيير الهوية الجنوبية بالقول : ستندمون على تفريطكم بهويتكم ، وتاريخكم ، وخصوصيتكم ، وبالفعل لم نندم وحسب ، بل بكينا دما بتقديم أكثر من ١٢٠،٠٠٠ ألف شهيد في صحراء اليمننة لا لشيء سوى أشباع لرغبات ثلة من النزلاء الذين زرعتهم الاستخبارات الأجنبية والعربية في خاصرة الأمة ، أمة الجنوب العربي ، فأدخلوها في صراع عقيم منذ الوهلة الأولى صراع اليمننة ، والصراع العربي العربي ، والصراع العربي الإسرائيلي حتى أصبح الشعب حينها في الجنوب لا يسمع سوى أخبار مغادرة نايف حواتمه العاصمة عدن ، وقدوم وليد جنبلاط إلى العاصمة عدن ، وهكذا تحولت عدن الى ساحة للصراعات العربية ، والعربية الإسرائيلية لكي لا تتفرغ القيادة والأمة إلى الهدف الرئيسي التي وجدت من أجله ، وهو البناء ، والتنمية ، والنهوض .

 

بعد عام ١٩٩٠م أخذ نظام صنعاء يوصف مفاوضي الجبهة القومية بالدهاة عبر مطابخه الإعلامية ، وهذا شي طبيعي ومتوقع أن يقوم فيه ، بما أنه جنى ثمرة الغرسة التي زرعوها في ١٩٦٧م ، لكن الأمر الغريب كيف صدق البعض من أبناء شعبنا تلك الترهات ، كون الهدف الأغلى والأسمى قد فرط فيه أعضاء الوفد التفاوضي ، وادخلونا في معمعة لا نهاية لها .