سعت إيران منذ سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين للانتقام من المنطقة العربية عموماً، وتشكيل هلال شيعي للإحاطة بدول الخليخ وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وهذا أمر ليس خافياً على أحد، ولا يحتاج لذكاء خارق لاكتشافه.
فما يدور في العراق العظيم والذي حولته إيران إلى مقاطعة خمينية، وما جرى في سورية وقبلهما في لبنان وصولاً إلى اليمن ما هو إلا دليل واضح للمخطط الفارسي الذي تصر طهران على تطبيقه ومن خلاله يتم تدمير الدول والشعوب العربية لصالح مليشيات تتحكم بها قيادة الحرس الثوري الإيراني وفق المصالح والشطحات الخمينية.
وفي سبيل ذلك لعبت إيران ومنظومة الأدوات التابعة لها والدول المتماهية معها على إسناد الفوضى في البلدان المنكوبة بتلك الأدوات -أدوات الإسلام السياسي بشقيه- بشتى الطرق والأساليب، وهذا ما نلحظه في اليمن منذ الانقلاب الحوثي، حيث عملت طهران وذيلها في لبنان على إرسال الخبراء والمدربين والدعم المالي واللوجستي للحوثيين ومدهم بكل وسائل الصمود الممكنة، لتتحول اليمن إلى مستنقع حرب دامية ويكون الحوثي خنجرا خمينية في خاصرة السعودية بشكل خاص، وهو الهدف الذي تلاقت فيه الأحقاد القطرية مع طهران، وتماهت معه مسقط بصورة أو بأخرى نتيجة للمخاوف التي تعتري السلطنة تاريخيا من جوارها العربي خصوصاً من المملكة العربية السعودية، ولذلك تبلورت نواة تعاون إيراني -قطري، عماني، يهدف بالمقام الأول إعلامياً لتشويه الحقيقة وإبراز المتناقضات واختلاقها في أحيان كثيرة.
وتمحورت الاستراتيجية الإعلامية لمحور إيران، قطر، عُمان، على عدة محاور؛ أولها التشكيك في أهداف التحالف العربي ومحاولة إظهار مطامع له في اليمن، وتقزيم التحالف عبر تصويره في نهاية المطاف كتحالف “سعودي إماراتي” وهو ما تكرره وسائل الإعلام القطرية منذ طرد قطر من التحالف العربي بعد انكشاف دورها المشبوه في دعم الحوثيين ومحاولة إرباك التحالف، وصولاً لتصنيف كل قوة معارضة للحوثي، وغير منسجمة مع الإصلاح، على أنها مجرد مليشيا، أو كما يتم تداوله (المدعومة إماراتياً)، برغم ما تحققه تلك القوات من انتصارات وإثبات فعلي على أنها الشرعية الحقيقية والفعلية والسبيل القوي لاستعادة اليمن من براثن مخططات الشر.
مسقط وأكذوبة الحياد
في خضم الحرب والصراع اليمني الدامي، وإعلان التحالف بدء شن عمليات عسكرية لمساندة اليمن الرسمية في استعادة مؤسساتها، نأت سلطنة عُمان بنفسها كعادتها معلنة الحياد، والوقوف على مسافة واحدة من الأطراف اليمنية، داعية لو قف التحالف وكذلك إنهاء الانقلاب، ولعل هذا ما جعل كثيرا من اليمنيين ينظرون للسلطنة كدولة رشيدة تنأى بنفسها عن صراع معقد كما هو الحال في اليمن، وتدعو للسلام ووقف حمام الدم، واستقبلت وفد الحوثيين واحتضنت قيادات مؤتمرية وأسرهم، ولعل هذا هو الدور المناط بمسقط ضمن مخطط قطر وإيران، لتتجاوز السلطنة الدعم الدبلوماسي للحوثيين إلى دعمهم مالياً وعسكرياً عبر إرسال شحنات من الأسلحة والمعدات العسكرية التي تم ضبط الكثير منها قبل وصولها إلى مناطق سيطرة الحوثيين، وبذلك تكون مسقط قد رفعت وتيرة دورها المشبوه في اليمن، تزامناً مع وصول قوات سعودية تابعة للتحالف العربي إلى محافظة المهرة على الحدود مع عمان ومباشرتها عملها لضبط الشحنات المهربة التي من بينها قطع غيار للصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة التي استخدمها الحوثيون في استهداف الأراضي السعودية، وهو الأمر الذي جعل القيادة العُمانية تُدرك أن مخططها انكشف وأن دور التعمية والضبابية لم يعد مقبولاً.
الدوحة ومسقط.. توحيد الجهود وتنسيقها ضد اليمن
بدا التنسيق القطري العماني أكثر وضوحاً من خلال التخادم والتقارب الذي ترعياه بين جماعتي الحوثي والإصلاح، من خلال اللقاءات والحوارات التي أجريت بين قيادات حوثية وإصلاحية برعاية المخابرات السلطانية والقطرية واستضافتها سراً مسقط، وكذلك دعم المجاميع التي كونها الشيخ الإصلاحي حمود المخلافي في تعز تحت مسمى (الحشد الشعبي)، وكذلك دعم وتحريك المظاهرات في المهرة ضد السعودية وفي سقطرى ضد الإمارات، ومحاولة إحياء وتلميع التيارات الجنوبية الموالية لإيران مثل جماعة باعوم، وجدت مسقط نفسها في تحالف ثلاثي مع إيران وقطر تمخض عن إنشاء ما بات يعرف بخلية مسقط، وهو تجمع يضم سياسيين وإعلاميين وضباطا يمنيين يشرفون على الملف اليمني وينفذون السياسة العمانية القطرية الإيرانية في اليمن، وهذا يسقط تماماً الادعاءات العُمانية بأنها طرف محايد وتتبع سياسة النأي بالنفس عن التدخل في شؤون الآخرين.
لقد شكل التقرير الأممي الصادر مؤخراً فضيحة مدوية للسلطنة حيث اتهمها بتزويد الحوثيين بشحنات السلاح وقطع الغيار اللازمة للمسيرات والصواريخ البالستية، وتحولها وعدد من الشركات العاملة على أراضيها إلى قاعدة لوجستية متقدمة لدعم الحوثي، وزرع خلاياها وأتباعها الذين يمررون للحوثي تلك الشحنات بدءا من منفذ شحن وحتى مناطق سيطرة الحوثيين، ومع انكشاف الدور العماني في اليمن، اندفعت السلطنة للهروب قدما إلى الأمام والتخلي صراحة عن سياسة النأي بالنفس التي كانوا يزعمونها وصرحوا بأنهم ضد أي توجه أممي لتصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية، يشاطرها هذا الرفض كل من قطر وإيران، دون اكتراث لكل ما ترتكبه جماعة الحوثي في اليمن من جرائم فاقت ما في الإرهاب من إرهاب، وكذلك استهدافها وتبنيها لعمليات اعتداء ندد بها العالم أجمع.
ختاماً، قد يتفهم المرء الدور الإيراني في المنطقة العربية كونه قائما على الحقد والعداء التاريخي الذي يكنه الفرس للعرب، وكذلك للرغبة الخمينية الساعية لفرض التشيع المذهبي حتى يسهل عليها قيادة المنطقة والتحكم في مقدراتها، وقد نفهم الدور التخريبي لقطر كونها دولة وظيفية ومحمية للمخابرات الدولية ورأس الحربة في تنفيذ مخططات الشر والتدمير للأقطار العربية بالإضافة لقربها من الجماعات المتطرفة الإرهابية كداعش والقاعدة، حيث لعبت الدوحة دور الوسيط في أكثر من مناسبة. إلا أنه من غير المفهوم أبدا الدور العماني، وكيف تقبلت أن تلعب دوراً سيئاً ألحق باليمن خراباً ودماراً لطالما رفضت وخافت أن يلعب على أراضيها.
تعليقات الزوار ( 0 )