كل المؤشرات في محافظات الجنوب اليوم، باتت تدل على أن الجنوب مقبل على حرب لا تبقي ولا تذر، ما لم يتم تدارك ذلك مبكراً وتنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض بشكل كامل.

عدن، وأبين، وشبوة، ولحج، وغيرها من المحافظات تشهد تحشيداً عسكرياً كبيراً، من طرفَي النزاع “الانتقالي وحكومة هادي”، وكل منهما يلقي باللائمة على الآخر في أي عواقب وخيمة تحدث، بينما يتوقع المراقبون اندلاع نيران الحرب في أقرب وقت، ولا سيما مع التصعيد الإعلامي الذي يتبناه ناشطو الطرفين بالتزامن مع هذه التحشيدات، وتصريحات لمسؤولين وقادة عسكريين تنذر بأن بوادر حرب قادمة في الجنوب قادمة لا محالة، وخصوصاً وأن جماعات مسلحة لا تزال تنفذ عمليات اغتيالات واسعة في الجنوب، غالباً ما يتم نسبتها إلى مجهول.

قائد اللواء التاسع صاعقة “أبو قيس الكعلولي” التابع للمجلس الانتقالي صعّد من نبرة التحدي والتوعُّد بالمواجهة الافتراضية مع قوات “الإخوان” كما قال، بينما تستعد مجاميع “شلال شائع” ـ هي الأخرى ـ بدورها للقتال في صف المجلس في المواجهات المحتملة، وإن كانت تلك الاستعدادات تتم على طريقة تثبيت التواجد على الأرض أولاً في ظل تحكم قوات “هادي” بجزء كبير من خارطة الجنوب بسبب انحياز السعودية إلى “هادي”.

“شائع” التقى قائدَ أركان ألوية الدعم والإسناد “نبيل المشوشي”، وقائد معسكر بدر “عبدالرحمن عسكر”، وعدداً من المسؤولين في عدن، لغرض التحشيد والوقوف في وجه تنامي حِدَّة الاغتيالات في عدن والعمليات الإرهابية في المديريات وعلى رأسها مديرية المنصورة، كما صرحت مصادر مقربة من تلك القيادات.

أما في أبين، فتستعد قوات “هادي” لتجميع عناصرها إيذاناً بالبتّ في السيطرة على المحافظة، وهو الأمر نفسه الذي يجري في محافظة لحج حيث أكد رئيس القيادة المحلية للمجلس الانتقالي بالمحافظة “رمزي الشعيبي” أن هناك اختراقاً في طور الباحة، ما جعل الانتقالي يدعو لعقد اجتماع عقب تأكيدات على تنفيذ قوات “هادي” بأبين عمليات إعادة انتشار على طول خطوط التَّماس في المحور الساحلي باتجاه منطقة شقرة، ما يوحي بتوسيع عمليات الانتشار إلى المحافظات المجاورة.

وألقى الانتقالي باللائمة على فريق الارتباط السعودي الذي قال إنه يتنصل من مهمة إدخال ألوية الحماية الرئاسية إلى عدن وفق اتفاق الرياض.

أما إعلاميو هادي وناشطوه فلا يزالون يتهمون قوات الانتقالي بالاستفزاز ومحاولة استدراج قوات “هادي” إلى حرب خاسرة، على حد وصفهم، معتبرين أن القيادي الأمني “شلال شائع” برفضه الخروج من عدن للعمل كملحق عسكري في سفارة اليمن لدى الإمارات وفق قرار “هادي”، واتجاهه للعمل ضمن التنظيم الخاص بالشأنين الأمني والعسكري منحازاً للانتقالي نكاية بقرار “هادي”، إنما يعطي مبررات الدخول إلى المواجهة، بحسب تعبيرهم.

شبوة على صفيح ساخن هي الأخرى، فجماعة “الإخوان” تسيطر على المحافظة واستطاعت أن تشرعن للمحافظ “محمد صالح بن عديو” ـ وهو المحسوب على “الإصلاح” ـ تمرحلياً عبر الترويج لإنجازات يسوّق لها أنصار الجماعة بين الفينة والأخرى، ناهيك عن وقوف السعودية إلى جانبه وعدم السماح للنخبة الشبوانية بالعودة بحسب ما نصَّ عليه اتفاق الرياض.

الرّهان على اتفاق الرياض بات في مهب الرياح، والجنوب كله بات على شفا حفرة من نيران حرب تلوح في الأفق، وصارت عودة الحكومة الجديدة ـ وبحسب آراء مسؤولين وقادة عسكريين ـ مجرد “مسرحية هزلية”.

ولا تزال وسائل إعلام تتبع الانتقالي تكشف كل يوم عن فصل من فصول هذه “المسرحية”، ومن آخر تلك الأوراق المكشوفة اتهام تلك الوسائل للقوات الموالية لـ “هادي” باستحداث طريق يربط بين مديرية الشمايتين جنوبي تعز إلى مديرية المضاربة عبر مناطق الزريقة والمجزاع وانتهاءً بخور عميرة، دون الحاجة إلى سلوك الخط الرسمي بين الشمايتين وطور الباحة، مذكّرين بالتحركات التي سبق وأن نفَّذها محور تعز وأنها تتم بدعم من السعودية، التي نجحت في تفكيك قوات الانتقالي في مديريات لحج الغربية، ودعم تحشيد ألوية “هادي” مجدداً في جبهة شقرة شرق عدن، بحسب قولهم، وهو ما نفته وسائل إعلام “هادي” عدة مرات.

صارت الحرب الجنوبية ـ الجنوبية نذير شؤم يقضّ مضاجع الجنوبيين كل يوم، ولا يفوت المواطنين مع كل حادثة يومية أن يعيدوا إلى أذهان بعضهم صورة المواجهات الدموية بين تيارات الحزب في الجنوب في يناير 1986 التي راح ضحيتها في يوم واحد أكثر من عشرة آلاف قتيل وتشرد نحو ستين ألف مواطن إلى الشمال، بسبب حرب الإخوة والرفاق في مناطق الجنوب، وصار المواطنون ـ اليوم ـ يتساءلون عمَّا إذا كان التاريخ يعيد نفسه؟! لا سيما وأن الفريقين اليوم ينتميان إلى نفس المنطقة الجغرافية التي انتمى إليها فريقا الأمس، كما أن حلقات وندوات العمل البحثي والثقافي والفكري في الجنوب هي الأخرى ذات طبع مناطقي، فما يقدّمه ما يسمى اتحاد أدباء الجنوب، بقيادة مجموعة من المحسوبين على الوسط الثقافي إنما يشتت البوصلة وتطغى عليه روح المناطقية ما يشي بأن تحت الرماد وميض نار، وأن الكيانات التي تفرخت من الكيانات الشمالية أو كيانات الوحدة صارت تتشظى ـ وهي ضمن مكونات جنوبية ـ إلى كيانات أصغر، ما يعني أن دولة الجنوب “فص ملح وذاب” بحسب تعبير بعض الكُتاب، وأن عودة ما كانت تسمى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية إنما هي شعارات رُفِعت للتسويق لمشاريع تبنّت اسم الجنوب وباعت قضية الجنوب.