كتب فؤاد المقرعي
في منطقة تورصة بمديرية الأزارق في الضالع، يبرز “دار الشهيد محمد عواس” كرمز حقيقي للتاريخ والعزة. فهو ليس مجرد بناء طيني، بل يتمتع بحضور قوي كصفحة مفتوحة تُفصّل البطولات. يمثل هذا المعلم الشاهد الأخير على فترة من الكفاح الذي سُقي بدماء الأبطال، لكنه اليوم لم يعد فقط صرحًا شامخًا، بل أصبح رمزاً للصمود في وجه الإهمال القاسي الذي يوازي الخيانة.
بناءٌ من دم ورمزيةٌ لا تَمحى.
هذا الصرح، الذي تعاني جدرانه من تصدعات كبيرة ويواجه خطر الانهيار، ليس مجرد كتل حجارية، بل هو سجل حي يحمل دماء الأبطال. إنه رمز يختزن في طياته فصولًا مجيدة من مقاومة ضارية ضد الاستعمار البريطاني.
تعود جذور عظمة هذا الدار إلى الشيخ محمد عواس طاهر، الرائد المعروف من الأزارق والذي يُعتبر أول شهيد في ثورة 14 أكتوبر بمديرية الضالع. كان ثمن شجاعته في مواجهة المستعمر هو حياته، وبلغت ذروتها عند مقتل القائد البريطاني “ديفيد”.
كان رد فعل الاحتلال البريطاني قاسيًا ومدمرًا، فقد سعى إلى محو الذكرى من خلال هدم منزلين للشيخ؛ أحدهما في تورصة والآخر “دار الحصين” في المعفادة. أدرك المستعمر أن الاستعمار لا يخشى الرصاص، بل يخاف من الرمز الذي يلهم الأجيال، لذا كان سعيه متواصلًا لطمس كل أثر لقائد ثائر.
تضحيةٌ نالت نصيبها من النسيان والمصادرة.
بعد سنوات طويلة من الاستقلال المدعوم بدماء الشهيد عواس، قامت أسرته بإعادة بناء الدار ليبقى منارة تحكي فصول النضال للأجيال القادمة. لكن معاناة الدار لم تنتهِ مع انتهاء عهد الاستعمار.
كما يروي أحفاد الشهيد بحسرة، لم يكتفِ الزمن بالإهمال فقط، بل عايش الدار أحداثًا أخرى من المصادرة القاسية؛ حيث استولى عليه الحزب الاشتراكي وحوّله إلى مركز للشرطة، مما أضاف جرحًا عميقًا لذاكرة العائلة.
اكتشاف المزيري
على الرغم من استعادة العائلة لممتلكات الشيخ عواس بعد تحقيق الوحدة عام 1994، يبقى هذا المعلم التاريخي أسيرًا للإهمال المستمر. تواجه الجدران اليوم معضلة كبيرة، تمثل فصولاً من القصور والعبء الثقيل للترميم الذي أصبح يفوق قدرة الأسرة التي لم تعد قادرة على تحمل هذا الإرث بمفردها.
وفي مشهد يجمع بين روعة ماضي الضالع وألم حاضرها، أطلق أحفاد الشيخ الشهيد وعدد من الناشطين والإعلاميين نداء استغاثة مستعجل، ليس مجرد طلب للترميم، بل صرخة مدوية للضمير الوطني ليوقظ همّته.
يؤكد هؤلاء أن إنقاذ “دار أولاد الشهيد محمد عواس” ليس عملًا ترفيهيًا أو خدمة شخصية، بل هو واجب وطني وأخلاقي لحماية ذاكرة الضالع النضالية من الاندثار.
إنه نداءٌ موجه إلى الجهات الحكومية، والسلطة المحلية، والمنظمات الناشطة، للتدخل العاجل وتوفير التمويل اللازم قبل أن ينهار هذا الرمز التاريخي. إنقاذ هذا الدار هو انتصار للذاكرة على الإهمال وتكريم لتضحية بطل لا يجب
أن تُنسى
في قلب إحدى محافظاتنا العريقة، حيث تتعانق ذكريات الماضي مع تحديات الحاضر، تقع “دار محمد عواس”، تلك الدار التي تحمل بين جدرانها قصص وحكايات أجيال عدة. اليوم، تتعرض هذه الدار لعدة محن تستدعي التدخل السريع للحفاظ عليها من الانهيار.
تاريخ الدار
تأسست دار محمد عواس في أواخر القرن التاسع عشر، وكانت فيما مضى مركزاً للثقافة والفنون، حيث استضافت العديد من الفعاليات الثقافية والاجتماعية. أعطت هذه الدار الفرصة للعديد من المبدعين والشعراء والفنانين لعرض أعمالهم والمساهمة في إثراء التراث الثقافي.
حالتها الراهنة
اليوم، تعاني الدار من الإهمال والتردّي. فقد تهدمت أجزاء من جدرانها، وبدأت الأسقف تتصدع، مما يهدد زوارها وممتلكاتها. يعبر القائمون على الحفاظ على التراث في المنطقة عن قلقهم العميق من مستقبل هذه الدار التي باتت تمثل صرخة الذاكرة، ونقطة التواصل بين الأجيال.
جهود الحفاظ على الدار
بعدما تفاقمت الأوضاع، تم تشكيل مجموعات من المحترفين والمهتمين بالتراث للضغط على الجهات المسؤولة من أجل إنقاذ هذه المعلمة. بدأ بعض المتطوعين بترتيب حملات لجمع التبرعات والموارد اللازمة لترميم الدار، ورفع الوعي بين السكان المحليين بأهمية الحفاظ على تاريخهم وثقافتهم.
أهمية الدار الثقافية
تمثل دار محمد عواس جزءًا كبيرًا من الهوية الثقافية للمحافظة، حيث تجسد تجارب إنسانية واجتماعية. إن إهمالها يعني أيضاً إهمال جزء من تاريخ المنطقة، وهو ما يضع الأجيال الجديدة أمام تحدٍ يتمثل في فقدان الاتصال بماضيهم.
النداء للتدخل
توجهت أصوات الناشطين إلى السلطة التنفيذية المحلية ومنظمات المواطنون المدني لإنقاذ دار محمد عواس قبل فوات الأوان. هناك حاجة ملحة لتمويل مشاريع الترميم والحفاظ على هذه المعلمة، وذلك لضمان أن تظل شاهدة على غنى الثقافة المحلية وذاكرتها.
خاتمة
في وقت يواجه العالم تحديات كثيرة، تبقى الذاكرة الثقافية والأثرية جزءًا لا يتجزأ من هويتنا. إن دار محمد عواس ليست مجرد مبنى، بل هي تجسيد لقصص الأهل والأجداد. فلنحافظ عليها قبل أن تنطق صرخات الذاكرة بعبارة “لا يعود”.
تعليقات الزوار ( 0 )